بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الاخوة الكرام :
إن قصة قارون معروفة للجميع و بدرجات متفاوتة
ولله عز وجل حكمة فى وهبه المال الكثير
وفتنة الناس آنذاك به وبماله أيضا موثقة فى القرآن الكريم
ولكن الامر المحير كيف اننا نرى نفس الفتنة تتكرر من جديد فى
عدة أزمان ومن بينها أيامنا هذه
لو سألتكم من هو أغنى رجل فى العالم الآن ، لما إختلف إثنان
مطلعان على الاجابة
إنه بل قيتس Bill
Gates مؤسس شركة
ميكروسوفت
والذى تقدر ثروته عند كتابة هذا المقال بما يناهز الخمسين
مليار دولار أمريكى
وقد يزيد البعض فى التقدير ليصل بها الى المئة مليار او بليون
دولار
وهناك مواقع يقدر ثروته بالدقيقة او حتى الثانية
لدرجة أن أحدهم يقول
"لو أن بل قيتس رأى ورقة من فئة ألف
دولار ملقاة على الارض فمن الاجدر له ألا يتوقف ليلتقطها لانه فى خلال الاربع
الثوانى المقدرة لالتقاطها يستطيع أن يجنى أرباح أكثر من خلال عمله"
قد تمر على شخص ضعيف الايمان لحظة يحس أن فى هذه الآية الكريمة
مبالغة
".. وَآتَيْنَاهُ
مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ
.."
إلا أننا عندما نقرأ عن ثروة بل قيتس لا يساورنا أدنى شك فى
امره .
وعندما يسمع كثير منا عنه وعن ثروته يتمنى أن يكون مثله أو أن
يعطى مثله
تماما مثل ما حدث مع قارون
"فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ
قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا
أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {79} القصص
ولكى أكون عادلا ومقسطا فالمقارنة بين قارون وبل قيتس هى فى
كونهما أغنى رجلين فى زمانهما
ونحن لا ندرى ما بقلب بل قيتس ولا منزلته عند ربه ، وسمعنا أنه
هو وزوجته "ميلندا" قد أسسا مؤسسة خيرية تركيزها على التعليم والصحة
خاصة فى بلدان العالم الثالث.
ومن المنطقى الجديد أن يوجد فى أى زمان شخص من الممكن وصفه أنه
أغنى رجل فى العالم
فالعملية نسبية
وتحدث حتى فى أوقات تعم فيها المجاعات ويسود فيها الفقر
غير أن هناك أناس غناهم أسطورى وملفت للنظر خاصة عندما يحدث
بشكل علنى ومصدره
معروف ، وأننا نحن أيضا نساهم فى ثروته وغناه حتى وإن كانت
نسخة برامج ميكروسوفت التى
لدينا نسخ غير مشروعة ، ذلك لان فى إستخدامها ترسيخ لها مقابل
غيرها وقتل لمنافسيها .
و الذى يهمنا الآن هو تمنى الكثير منا أن يكون مكان بل قيتس .
أو تمنى الكثير من شبابنا اليوم أن يكون له مثل ما لـ "
بل قيتس"
ولو نحاول أن نسترق السمع على أفكارأحدهم لسمعناه يهلوس
بالسيارات والفتيات والجزر واليخوت
والفنادق الفخمة والاثاث الفاخر والسفريات والبذخ والحفلات
وهذه هى عين الفتنة .
وفتياتنا لا ينقصهن الحلم به كفارس أحلام .
وفتنة الناس به منتشرة بشكل غير عادى وقلما يوجد من يعظ هؤلاء
الناس او من يبصرهم
وننسى أن المولى عز وجل يعطى المال لمن يحب ولمن لا يحب
وأنه لو أعطى كل سائل سؤله لما أنقص ذلك من ملك الله
ولقد أعجبنى مثل ايرلندي يقول
"إن كنت تريد أن تعرف ما هى نظرة الله
الى المال فأنظر الى من يعطيه الله له"
ولنتصور أننا نحاور السيد بل قيتس ونقول له أن الله هو الذى
أتاه هذه الثروة
أظنه سيقول لنا أن هذا المال جمعه من علمه وعمله فى تطوير
البرامج والمنظومات وأنظمة التشغيل تماما مثل ما كان يقول قارون
"... قَالَ
إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي .. "
إنها فتنة المال
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ
وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ {28} سورة الانفال
{وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان
ربك بصيرا}
وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول
" لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال".
ويروى عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أنه قال لرسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم: ادع اللّه أن يرزقني مالاً،
قال، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ويحك يا
ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه"
قال، ثم قال مرة أخرى، فقال: "أما ترضى أن تكون مثل نبي
اللّه؟ فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير الجبال معي ذهباً وفضة لسارت"
قال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت اللّه فرزقني مالاً لأعطينَّ
كل ذي حق حقه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اللهم ارزق ثعلبة
مالاً"
قال: فاتخذ غنماً، فنمت كما ينمى الدود، فضاقت عليه المدينة،
فتنحى عنها، فنزل وادياً من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما
سواهما، ثم نمت وكثرت، فتنحّى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمي كما ينمي
الدود، حتى ترك الجمعة، فطفق يتلقي الركبان يوم الجمعة ليسألهم عن الأخبار، فقال
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما فعل ثعلبة؟"
فقالوا يا رسول اللّه اتخذ غنماً فضاقت عليه المدينة فأخبروه
بأمره،
فقال: "يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة"
وأنزل اللّه عزَّ وجلَّ ثناؤه: {خذ من أموالهم صدقة} الآية،
ونزلت فرائض الصدقة، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلين على الصدقة من
المسلمين، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين، وقال لهما: "مرّا بثعلبة
وبفلان - رجل من بني سليم - فخذا صدقاتهما"
فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، وما أدري ما
هذا!
كان هذا ما ورد فى تفسير إبن كثير للآية 75 - 78 من سورة
التوبة
صدق الحبيب المصطفى حينما قال "يا ويح ثعلبة يا ويح
ثعلبة"
قد يقول قائل إن بل قيتس ليس مغترا مثل قارون
والجواب على ذلك أن بل قيتس قد يكون لا زال فى طور التكوين
وفى نفس الوقت لا أستطيع أن أجزم انه سيكون مثله
ولا أحد منا يدرى ما الله فاعل به
ولا أتمنى مكانه ولا ثروته ولا أحسده عليها
ولكن الشىء الواضح ان الكثير منا سواء من الشباب او كبار السن
قد فتنوا به وبماله .
فكرة هذا المقال ظلت تراودنى منذ أكثر من عامين وكل ما أريد أن
اكتبه أجد نفسى منشغلا عنه حتى كان الموعد منذ أيام فى يوم الجمعة عند سمعت إسم
قارون فقرنت بينه وبين بل قيتس .
والحكمة منه هى :
1- هناك نهى واضح وصريح فى القرآن {ولا
تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}
2- لا تتمن مال فلان ولا مال فلان، وما
يدريك لعل هلاكه في ذلك المال
3- التمنى ينطوى على عدم الرضى بقضاء الله
وقدره
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل".
5- تمنى ما عند الغير قد يكون بداية الحسد
6- التمنى أحد مداخل الشيطان
"ولآمنينهم
7- التمنى يختلف عن الامل فالآمل سبقه عمل
وفيه رجاء بالتوفيق
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ
وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ
أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ الْفَرِحِينَ {76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ
وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
{77} قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ
قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ {78}
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ {79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ
خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ
{80} فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ
يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ {81} وَأَصْبَحَ
الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ
اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {82}
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي
الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83} مَن جَاء
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى
الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {84} سورة القصص
وفقنا الله جميعا الى فهم كتابه والتدبر فى آياته والامتثال
لاوامره وإجتناب نواهيه
والصلاة والسلام عليك يا سيدى يا رسول الله
وعلى آلك وصحبك ومن والاك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم م/ محمد خالد الكيلانى
بـنـغـــــازى لــيـبــيــا
=============
